الشعر الجاهلي





من أبرز شعراء الجاهلية  

امرؤ القيس 
  

هو امرؤ القيس بن حجر نجدي مشهور هو أحد أشهر شعراء العصر الجاهلي، وأحد أصحاب المعلقات السبعة المشهورة. كان من أكثر شعراء عصره خروجاً عن نمطية التقليد، وكان سباقاً إلى العديد من المعاني والصور. وامرؤ القيس صاحب أوليات في التشابيه والإستعارات وغير قليل من الأوصاف والملحات. وقد تأثر بوقفة ابن خزام الطللية، وسار يستخدمها في مطالع قصائده، التي اشتهر بها.


نسبه
تباين المؤرخون الإخباريون في نسبه، بفعل تباين إتجاهات أصحاب الأنساب إلا أنهم يتفقون في نسبته إلى قبيلة كندة.
جعل الرواة أم الشاعر تملك، وقد اعتمدوا على ذلك قوله:
ألا هل أتاها والحوادث جمة بأن أمرأ القيس بن تملك بيقرا

اسمه وكناياته حسب أراء الرواة
يذكر صاحب الأغاني عن أبي عبيدة، أن امرأ القيس كان يكنى أبا الحارث، ويذكر غيره انه كان يكنى أبا وهب.
ذكر صاحب بغية الطلب – الوزير ابن القاسم المغربي – أن اسمه حندج، وامرؤ القيس لقب غلب عليه لما أصابه من تضعضع الدهر ومعناه رجل الشدة.
ويذهب الأب لويس شيخو نقلاً عن مؤرخي الروم أن اسمه “قيس” وأنه مذكور بهذا الاسم، وأنه كان يقال له “الملك الضليل” وقيل له “ذي القروح”

من أشعار امرؤ القيس 
غشيتُ ديارَ الحي بالبكراتِ


غشيتُ ديـــــــــارَ الحي بالبكراتِ

فَعَارِمَة ٍ فَبُرْقَة ِ العِــــــــــــــــيَرَاتِ

فغُوْلٍ فحِلّيتٍ فأكنَــــــــــافِ مُنْعِجٍ

إلى عاقــــل فالجبّ ذي الأمرات

ظَلِلْتُ، رِدائي فَوْقَ رَأسيَ، قاعداً

أعُدّ الحَصَى ما تَنقَضي عَبَــرَاتي

أعِنّي على التَّهْمامِ وَالذِّكَــــــرَاتِ

يبتنَ علـــــى ذي الهمِّ معتكراتِ

بليلِ التمــــــــــام أو وصلنَ بمثله

مقايسة ً أيامــــها نكـــــــــــــرات

كأني ورد فــــي والقرابَ ونمرقي

على ظَــــــــهْرِ عَيْرٍ وَارِدِ الحَبِرَاتِ

أرن عــــــــلى حقب حيال طروقة ٍ

كذَوْدِ الأجـــــــــيرِ الأرْبع الأشِرَاتِ

عَنيفٍ بتَجميعِ الضّرَائرِ فاحــــــــشٍ

شَتيمٍ كذَلْقِ الزُّجّ ذي ذَمَــــــــرَاتِ

ويـأكلن بهمى جــــــعدة ً حبشية

ً وَيَشرَبنَ برْدَ الماءِ في السَّبَرَاتِ

فأوردها مــــــــاءً قلــــــيلاً أنيسهُ

يُحاذِرْنَ عَمراً صَـــــــاحبَ القُتَرَاتِ

تَلِثُّ الحَصَى لَــــــثّاً بسُمرٍ رَزِينَـــة ٍ

موازنَ لا كُـــــزمٍ ولا معـــــــــــرات

ويَرْخينَ أذْناباً كَـــــأنّ فُـــــــــرُعَهَا

عُــــرَى خِلَلٍ مَشــــهورَة ٍ ضَفِرَاتِ

وعنسٍ كالـــــواح الإرانِ نســـأتُها

على لاحــب كالبُرد ذي الحبرات

فغادَرْتُها مــــــــن بَعـــدِ بُدْنِ رَزِيّة

تغالي عــــلى عُوج لـــها كدنات
ٍ
وَأبيَضَ كالمِخـــرَاقِ بَلّيتُ خــــدَّهُ

وَهَبّتَهُ فـــي السّـــاقِ وَالقَصَرَاتِ 


معلقة امرؤ القيس













...............................................................................................................

عنترة بن شداد



عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية العبسي ، من مضر ، أشهر فرسان العرب في الجاهلية ، وأمه أمة

حبشية يقال لها زبيبة ، نفاه والده شداد ، ثم اعترف به ، فألحق بنسبة . وعنترة أحد أغربة العرب ـ وهم

الذين جاءهم السواد من قبل أمهاتهم ـ وكان أشجع العرب وأشدها ، وأعزهم نفساً ، يروى عن الرسول

صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة )) ولم يدرك الإسلام

وكان لا يقول من الشعر إلا البيتين والثلاثة حتى سبه رجل من بني عس فذكر سواده وسواد أمه وأخته

من أمه وعيره بذلك ، وبأنه لا يقول الشعر . فكان أول ما قال من قصائد معلقته هذه ، وهي أجود شعره

يسمونها المذهبة . وكان قد شهد حرب داحس والغبراء ، فحسن فيها بلاؤه ، وحمدت مشاهدة .


بعض من أشعاره 


1- إِذا الريحُ هَبَّت مِن رُبَى العَلَمَ



إِذا الريحُ هَبَّت مِن رُبَى العَلَمَ السَّعدي *
* طَفا بَردُها حَـرَّ الصَّبَابَـةِ وَالوَجـدِ

وَذَكَّرَنِـي قَومـاً حَفِظـتُ عُهودَهُـم*
* فَما عَرِفوا قَدري وَلا حَفِظوا عَهـدي

وَلَـولا فَتـاةٌ فِـي الخِيـامِ مُقيمَـةٌ*
* لَمَا اختَرتُ قُربَ الدَّارِ يَوماً عَلى البُعدِ

مُهَفهَفَـةٌ وَالسِّحـرُ مِـن لَحَظاتِهـا*
* إِذا كَلَّمَت مَيتـاً يَقـومُ مِـنَ اللَّحـدِ

أَشارَت إِلَيها الشَّمسُ عِندَ غُروبِهـا*
* تَقولُ إِذا اِسوَدَّ الدُّجَى فَاطلِعِي بَعـدي

وَقالَ لَها البَدرُ المُنيـرُ أَلا اسفِـري*
* فَإِنَّكِ مِثلِي فِي الكَمالِ وَفِـي السَّعـدِ

فَوَلَّـت حَيـاءً ثُـمَّ أَرخَـت لِثامَهـا*
*وَقَد نَثَرَت مِن خَدِّها رَطِـبَ الـوَردِ

وَسَلَّت حُساماً مِن سَواجي جُفونِهـا*
*كَسَيفِ أَبيها القاطِعِ المُرهَـفِ الحَـدِّ

تُقاتِلُ عَيناها بِهِ وَهوَ مُغمَـدٌ وَمِـن*
*عَجَبٍ أَن يَقطَعَ السيفُ فِـي الغِمـدِ

مُرَنَّحَةُ الأَعطافِ مَهضومَـةُ الحَشـا*
*مُنَعَّمَـةُ الأَطـرافِ مائِسَـةُ الـقَـدِّ

يَبيتُ فُتاتُ المِسـكِ تَحـتَ لِثامِهـا*
*فَيَـزدادُ مِـن أَنفاسِهـا أَرَجُ الـنَـدِّ

وَيَطلَعُ ضَوءُ الصُبحِ تَحـتَ جَبينِهـا*
* فَيَغشاهُ لَيلٌ مِن دُجَى شَعرِها الجَعـدِ

وَبَيـنَ ثَناياهـا إِذا مـا تَبَسَّـمَـت*
* مُديرُ مُدامٍ يَمـزُجُ الـرَّاحَ بِالشَّهـدِ

شَكا نَحرُهـا مِـن عَقدِهـا مُتَظَلِّمـاً*
* فَواحَرَبا مِـن ذَلِـكَ النَّحـرِ وَالعِقـدِ

فَهَل تَسمَحُ الأَيّـامُ يـا ابنَـةَ مالِـكٍ*
* بِوَصلٍ يُدَاوي القَلبَ مِن أَلَـمِ الصَّـدِّ

سَأَحلُمُ عَن قَومي وَلَو سَفَكوا دَمـي*
*وَأَجرَعُ فيكِ الصَّبرَ دونَ المَلا وَحدي

وَحَقِّـكِ أَشجانِـي التَباعُـدُ بَعدَكُـم*
*فَهَل أَنتُمُ أَشجاكُمُ البُعدُ مِـن بَعـدي

حَذِرتُ مِـنَ البَيـنِ المُفَـرِّقِ بَينَنـا*
* وَقَد كانَ ظَنِّـي لا أُفارِقُكُـم جَهـدي

فَإِن عايَنَت عَينِي المَطايـا وَرَكبُهـا*
*فَرَشتُ لَدى أَخفافِها صَفحَـةَ الخَـدِّ



2- رَمَت الفُـؤَادَ مَلِيحَـةٌ



رَمَت الفُـؤَادَ مَلِيحَـةٌ عَـذْرَاءُ
بِسِهَـامِ لَحْـظٍ مَالَـهُـنَّ دَوَاءُ

مَرَّتْ أَوَانَ العِيدِ بَيْـنَ نَوَاهِـدٍ
مِثْلَ الشُّمُوسِ لِحَاظُهُنَّ ظِبَـاءُ

فَاغْتَالَنِي سَقَمِي الَّذِي فِي بَاطِنِي
أَخْفَيْتُـهُ فَـأَذَاعَـهُ الإِخْـفَـاءُ

خَطَرَتْ فَقُلْتُ قَضِيبُ بَانٍ حَرَّكَتْ
أَعْطَافَهُ بَعْدَ الجَنُـوبِ صَبَـاءُ

وَرَنَتْ فَقُلْتُ غَزَالَـةٌ مَذْعُـوَرةٌ
قَدْ رَاعَهَا وَسْطَ الفَـلاةِ بَـلاءُ

وَبَدَتْ فَقُلْتُ البَدْرُ لَيْلَـةَ تِمِّـهِ
قَدْ قَلَّدَتْـهُ نُجُومَهَـا الجَـوْزَاءُ

بَسَمَتْ فَلاحَ ضِيَاءُ لُؤْلُؤِ ثَغْرِهَا
فِيْهِ لِـدَاءِ العَاشِقِيـنَ شِفَـاءُ

سَجَدَتْ تُعَظِّمُ رَبَّهَـا فَتَمَايَلَـتْ
لِجَلالِهَـا أَرْبَابُنَـا العُظَـمَـاءُ

يَاعَبْلَ مِثْلُ هَوَاكِ أَوْ أَضْعَافُـهُ
عِنْدِي إِذَا وَقَعَ الإيَاسُ رَجَـاءُ

إِنْ كَانَ يُسْعِدُنِي الزَّمَانُ فَإِنَّنِـي
فِـي هِمَّتِـي لِصُرُوفِـهِ إِزْرَاءُ


معلقات عنترة بن شداد 




.....................................................................................................................
زهير بن سلمى

هو زهيز بن ربيعة من قبيلة مزينة من معز والدته من قبيلة ذبيان و هي اخت الشاعر الجاهلي بشامة بن الغدير و قد حملته امه الى اهلها و اقامت به عندهم و هناك شب زهير و ترعرع في كنف خاله الشاعر بشامة فأخذ عنه كثيرا من حكمته و رايه و شعره
وكانت والدته قد تزوجت  بعد وفاة ابيه شاعرا جاهليا شهيرا وهو اوس بن حجر فاعتنى اوس بزهيرو تخذه راوية له
وتزوج زهير امراة جميلة كريمة اسمها ليلى وكنيتها ام اوفى و لما لم يعش لها اولاد طلقها و تزوج امرأة من اخواله فانجبت له ولدين هما كعب و بجير
و عمر زهير طويلآ فبلغ نحو تسعين عاما حتى توفي قبيل بعثة النبي عليه السلآم
 و هو حكيم الشعراء في الجاهلية وفي أئمة الأدب من يفضّله على شعراء العرب كافة.
قال ابن الأعرابي: كان لزهير من الشعر ما لم يكن لغيره: كان أبوه شاعراً، وخاله شاعراً، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة.
ولد في بلاد مُزَينة بنواحي المدينة وكان يقيم في الحاجر (من ديار نجد)، واستمر بنوه فيه بعد الإسلام.
قيل: كان ينظم القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في سنة فكانت قصائده تسمّى (الحوليات)، أشهر شعره معلقته التي مطلعها:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
ويقال : إن أبياته في آخرها تشبه كلام الأنبياء.

من أشعار زهير بن سلمى 

رأيت بني آل امرئ القيس أصفقوا 


رأيتُ بني آلِ امرىء القيسِ أصفقوا علينا وقالوا إننا نحنُ أكثرُ
سُلَيْمُ بنُ مَنصُورٍ وَأفناءُ عامرٍ وسعدُ بنُ بكرٍ، والنصورُ، وأعصرُ
خذوا حظّكم يا آلَ عِكرِمَ واذكرُوا أواصرنا والرحمُ بالغيبِ تذكرُ
وَإنّا وإيّاكُمْ إلى ما نَسُومُكُمْ لمثلانِ، أو أنتمْ إلى الصلحِ أفقرُ
إذا ما سمعنا صارخاً معجتْ، بنْا إلى صَوْتِهِ وُرْقُ المَراكِلِ ضُمَّرُ
وإنْ شلَّ ريعانُ الجميعِ، مخافة ً، نقولُ، جهاراً: ويحكم، لا تنفروا
على رسلكم، إنّا سنعدي وراءكم فتمنعكم أرماحنا، أو ستعذرُ
وإلاّ فإنّا بالشربة ِ، فاللوى نُعَقّرُ أُمّاتِ الرِّبَاعِ وَنَيْسِرُ


ألا أبلغ إليك بني تميم

ألاَ أبلغْ، لديكَ، بني تميمٍ وقَد يأتيكَ بالخَبَرِ الظَّنُونُ
بأنَّ بيوتنا بمحلِّ حجرٍ بكُلّ قَرارَة ٍ مِنْها نَكُونُ
إلى قلهَى تكونُ الدارُ، منّا إلى أكنافِ دومة َ، فالحجونُ
بأودية ٍ، أسافلهنَّ روضٌ وأعلاها إذا خِفْنَا حُصُونُ
نحلُّ سهولها، فإذا فزعنا جرى منهنَّ، بالآصالِ، عونُ
بكلِّ طوالة ٍ، وأقبَّ، نهدٍ مَرَاكِلُهَا مِنَ التَّعْداءِ جُونُ
نعودها الطرادَ، فكلَّ يومٍ تسنُّ، على سنابكها، القرونُ
وكانَتْ تَشتَكي الأضغانَ مِنْها ذواتُ الغربِ، والضغنُ، الحرونُ
وخَرّجَها صَوَارِخُ كُلَّ يَوْمٍ فقَد جَعَلَتْ عَرَائِكُها تَلِينُ
وَعَزّتْها كَوَاهِلُهَا وكَلّتْ سنابكها، وقدحتِ العيونُ
إذا رفعَ السياطُ، لها، تمطتْ وذلكَ، من علالتها، متينُ
وَمَرْجِعُها إذا نحنُ انْقَلَبْنَا نَسيفُ البقْلِ واللّبنُ الحَقِينُ



...........................................................................................................................

طرفة بن العبد

هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر ابن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان. شاعر جاهلي من الطبقة الولى، كان هجاءً غير فاحش القول، تفيض الحكمة على لسانه،في أكثر شعره. ولد في بادية البحرين وتنقل في بقاع نجد. اتصل بالملك عمرو بن هند فجعله في ندمائه، ثم أرسله بكتاب إلى المكعبر عامله على البحرين وعُمان يأمره بقتله، لأبيات بلغ الملك أن طرفه هجاه بها، فقتله المكعبر بها.
كان، كما قال الزوزني، في حسب كريم وعدد كثير، وكان شاعرا جريئا على الشعر، وكانت أخته عند عبد عمرو بن مرثد بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس وكان عبد عمرو سيد أهل زمانه، وكان من أكرم الناس على عمرو بن هند الملك، فشكت أخت طرفة شيئاً من أمر زوجها إلى طرفة فعاب عبد عمرو وهجاه وكان من هجائه أياه أن قال:
وَلا خَيرَ فيه غَيرَ أنَّ لَهُ غِنىً- وَأنَّ لَهُ كَشحاً إذا قامَ أهضَمضا
تَظَلّ نساءُ الحَيِّ يَعكُفنَ حَولَهُ- يَقُلنَ عَسيبٌ من سَرارَةَ مَلهَما

يعكفن: أي يطفن. العسيب: أغصان النخلز سرارة الوادي: قرارته وأنعمه أجوده نبتاً. الملهم: قرية باليمامة.
فبلغ ذلك عمرو بن هند الملك وما رواه فخرج يتصيد ومعه عبد عمرو فرمى حماراً فعقره فقال لعبد مرو: انزل فاذبحه، فعالجه فأعياه فضحك الملك وقال. لقد أبصرك طرفة حيث يقول، وأنشد: ولا خير فيه، وكان طرفة هجا قبل ذلك عمرو بن هند فقال فيه:
فَلًَيتَ لَنا مكانَ المَلكِ عمرٍو- رَغوثاً حَولَ قبَّتِنَا تَخُورُ
مِنَ الزَّمِرَاتِ أسبَل قَادِمَاهَا- وَضرَّتُهَا مُرَكَّنةً دَرُورُ
لَعَمرُكَ إنَّ قَابُوسَ بنَ هِندٍ- لَيَخلِدُ مُلكَهُ نُوكُ كَثِيرُ
قَسَمتَ الدَّهرَ في زَمَنٍ رَخيٍّ- كَذَاكَ الحُكمُ يَقصِدُ أو يَجُورُ

فلما قال عمرو بن هند لعبد عمرو ما قال طرفة قال: أبيت اللعن! ما قال فيك أشدّ مما قال فيّ، فأنشده الأبيات فقال عمرو بن هند: أو قد بلغ من أمره أن يقول فيّ مثل هذا الشعر? فأمر عمرو فكتب إلى رجل من عبد القيس بالبحرين وهو المعلّى ليقتله، فقال له بعض جلسائه. إنك إن قتلت طرفة هجاك المتلمّس، رجل مسنّ مجرّب، وكان حليف طرفة وكان من بني ضبيعة. فأرسل عمرو إلى طرفة والمتلمّس فأتياه فكتب لهما إلى عامله بالبحرين ليقتلهما وأعطاهما هدية من عنده وحملهما وقال: قد كتبت لكما بحباء، فأقبلا حتى نزلا الحيرة، فقال المتلمّس لطرفة: تعلمن والله إن ارتياح عمرو لي ولك لأمر عندي مريب وإن انطلاقي بصحيفة لا أدري ما فيها? فقال طرفة: إنك لتسيء الظنّ، وما نخاف من صحيفة إن كان فيها الذي وعدنا وإلا رجعنا فلم نترك منه شيئاً? فأبى أن يجيبه إلى النظر فيها، ففكّ المتلمس ختمها ثم جاء إلى غلام من أهل الحيرة فقال له: أتقرأ يا غلام? فقال: نعم، فأعطاه الصحيفة فقرأها فقال الغلام: أنت المتلمس? قال. نعم، قال: النجاء فقد أمر بقتلك فأخذ الصحيفة فقذفها في البحيرة، ثم أنشأ يقول:
وألقَيتُهَا بالثَّنِي مِن جَنبِ كافرٍ- كَذلِكَ ألقي كُلَّ رَأي مُضَلَّلِ
رَضيتُ لهَا بالمَاءِ لمّا رَأيتُهَا- يَجُولُ بهَا التيَّارُ في كلِّ جَدوَلِ

فقال المتلمّس لطرفة: تعلمن والله أن الذي في كتابك مثل الذي في كتابي، فقال طرفة: لئن كان اجترأ عليك ما كان بالذي يجترىء عليّ، وأبى أن يطيعه؛ فسار المتلمّس من فوره ذلك حتى أتى الشام فقال في ذلك:
مَن مُبلغُ الشُّعرَاءِ عَن أخوَيهمُ- نَبَأ فتَصدقهم بذاكَ الأنفُسُ
أودى الذي عَلِقَ الصَّحيفَة منهُما- ونَجَا حِذارَ حَيَاتِهِ المتلمِّسُ
ألقَى صَحِفَتَهُ وَنَجَّت كُورَهُ- وَجنَا مُحَمَّرَةُ المَنَاسِمِ عِرمِسُ
عَيرَانَةٌ طَبَخَ الهَواجِرُ لَحمَها- فَكَأنَّ نُقبَتَها أدِيمٌ أملَسُ

وخرج طرفة حتى أتى صاحب البحرين بكتابه، فقال له صاحب البحرين: إنك في حسب كريم وبيني وبين أهلك إخاء قديم وقد أمرتُ بقتلك فاهرب إذا خرجت من عندي فإن كتابك إن قرىء لم أجد بدّا من أن أقتلك، فأبى طرفة أن يفعله، فجعل شبان عبدالقيس يدعونه ويسقونه الخمر حتى قُتل.
وقد كان قال في ذلك قصيدته التي أولها لخولة أطلال؛ انقضى حديث طرفة برواية المفضّل؛ وذكر العتبيّ سبباً آخر في قتله، وذلك أنه كان ينادم عمرو بن هند يوماً فأشرفت أخته فرأى طرفة ظلّها في الجام الذي في يده فقال:
ألا يا ثاني الظبي- الذي يبرُقُ شنفاهُ
ولَولا الملكُ القاعدُ- قد ألثَمَني فاهُ

فحقد ذلك عليه، قال: ويقال إن اسمه عمرو وسمي طرفة ببيت قاله، وأمه وردة؛ وكان من أحدث الشعراء سنّاً وأقلّهم عمرا، قتل وهو ابن عشرين سنة فيقال له ابن العشرين. ورأيت أنا مكتوبا في قصته في موضع آخر أنه لما قرأ العامل الصحيفة عرض عليه فقال: اختر قتلة أقتلك بها، فقال: اسقني خمراً فإذا ثملت فافصد أكحلي، ففعل حتى مات، فقبره بالبحرين، وكان له أخ يقال له معبد بن العبد فطالب بديته فأخذها من الحوافر.
قال مطاع صفدي و إيليا حاوي: كان مولد طَرَفة (543- 569م) في البحرين. نشأ يتيماً من أبيه، وكفله أعمامه، ولكنهم لم يعوّضوه عن فقدان الأب، بل حُكي أنهم اضطهدوه. فجعله ذلك متفرّداً منكفئاً على ذاته، متحللاً بفطرته من التقاليد الاجتماعية. واندفع الفتى منذ شبابه الباكر في حياة الفروسية واللّهو والمتعة، حتى طرده قومه، وجال في البلاد. ووصل أطراف الجزيرة، وتقرّب من بلاط المناذرة، حتى وقعت له الحادثة المشهورة مع خاله المتلمَّس. فقد أرسله عمرو بن هند، هو وخاله، إلى عامله في البحرين، وحمَّل كلاًّ منهما رسالة مُغلقة، أوهمهما أنها تتضمّن طلباً للمكافأة. وتروي القصّة أن المتلمّس فضَّ الرسالة أثناء الطريق، وعرف مضمونها، ونجا من القتل، في حين أن طرفة أبي أن يفتح رسالته ومضى إلى حتفه. فقتله عامل البحرين بناء على أمر الملك، وبعد أن خيّره في رغبة أخيرة يحققها له. فطلب طرفة أن يشرب الخمر ثم يُفصد. وقضى وهو دون الثلاثين من عمره.
وطرفة هو من الشخصيات شبه الأسطورية، في قافلة الشعراء الملحميّين الكبار، تنبثق شخصيته، كأحد فرسان الدَّفق الحيوي الخلاَّق في شباب حضارة كبرى مليئة. ذلك أن طرفة ساق حياة السالك المكتشف لروائع الوجود، المتمتع بألوان المعيشة العنيفة، المنطلق إلى مجاهل الإحساس البكر، في لقاء كل ما هو صاخب الوجود، رائع المثال، فوُصف بأنه فتى الجَّهل الأول، ونعت أنه منفاق، مهذار، طليق إلى درجة التَّحدّي لتقاليد الآخرين، مستهتر بمقامات الرجال، ولو كانوا ملوكاً وأشقّاء ملوك، ولو كانوا سادة لقبائلهم وعشائرهم.
ولد والشعر منهمر في دمه من أصلاب أمه وأبيه. وكان تمرّده منذ الطفولة والشباب، قد جعله يتيم الحبّ والتقدير لدى أبيه. واحتقاره للمال والثروة، جعله فقيراً طريداً من قومه. واعتزازه بكرامته فصَل بينه وبين حياة القصر النّعماني، ومهَّد لقتله غدراً، في تلك القصة الشهيرة المعروفة. بكورة في اليُتْم، بكورة في التمرَّد، فجَّرا فيه فروسية الشعر وهو دون العشرين. وتصاعدت هذه الفروسية إلى أفق معاناة شمولية تلقاء الوجود قلّ مثيلها لدى أمثاله، وفي تلك الحقبة البعيدة من التَّاريخ العربي.
لقد استطاع طرفة أن يقيم مذهباً وجودياً، بكل معنى الكلمة من خلال تعبيره عن حياته، ومن معايشة نزواته وأفكاره، بصورة صاخبة متأجّجة بالنّزوع إلى الحرية، وتحقيق الشخصية الذاتية بكل انفعالاتها الأصيلة، وتحدياتها لحتميات العالم الخارجي.


من أشعار طرفة بن العبد 


من عائدي الليلة أم من نصيح

مَن عائِدي اللَّيلَة َ أم مَن نَصيحْ بِتُّ بِنَصْبٍ، فَفُؤادي قَريحْ
في سلفٍ أرعنَ مُنفجرٍ يُقدِمُ أُولى ظُعُنٍ، كالطُّلوحْ
عالَينَ رَقماً، فاخراً لَونُهُ، منْ عَبْقَرِيٍّ، كَنَجيعِ الذّبيح
وَجامِلٍ، خَوّعَ، من نِيبِهِ، زجرُ المعلَّى أُصُلاً والسّفيح
موضوعُها زَولٌ ومرفوعُها كمرِّ صوبٍ لَجِبٍ وسْطَ ريح

 فليت لنا مكان الملك عمرو

فليتَ لنا، مَكانَ المَلْكِ عَمْرٍو، رغوثاً حولَ قبّتِنَا تخورُ
مِنَ الزَّمِرَاتِ، أسْبَلَ قادِماها، وضَرّتُها مُرَكَّنَة ٌ دَرُورُ
يُشارِكُنا لنا رَخِلانِ فيها، وتعلوها الكباشُ فما تنورُ
لعمركَ إنَّ قابوسَ بنَ هندٍ لَيَخْلِطُ مُلْكَهُ نُوكٌ كثيرُ
قسمتَ الدّهرَ في زمنٍ رخيٍّ كذاكَ الحُكْمُ يَقْصِدُ أوْ يَجورُ
لنا يومٌ وللكروانِ يومٌ تَطِيرُ البائِساتُ ولا نَطِيرُ
فأمّا يَوْمُهُنّ، فيَوْمُ نَحْسٍ، تُطَارِدُهُنّ بالحَدَبِ الصّقُورُ
وأمَّا يومُنا فنظلُّ ركباً وُقوفاً، ما نَحُلُّ وما نَسِيرُ















معلقة طرفة بن العبد
 
..............................................................................................................................

مدونات تهتم بالشعر الجاهلي

مدونة تهتم بالشعر الجاهلي 

 مدونة تهتم بالشعر الجاهلي 

..................................................................................

ملفات تتحدث عن الشعر الجاهلي  


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق